رحلة الأنسولين

رحلة الأنسولين



الأنسولين , ذلك الهرمون الساحر الذي يرتبط بضبط مستوى وقود الجسم و السماح لذلك الوقود بالدخول في خلايا أجسادنا فكأنه الحارس لمداخل تلك الخلايا.
تبدأ اولى خطوات رحلة الأنسولين من ذلك المنزل الهام في أجسادنا و الذي نطلق عليه البنكرياس و تحديدا من خلايا محددة تسمى خلايا بيتا.
يقوم البنكرياس بإفراز حوالي 30-50 وحدة انسولين يوميا لتعطي الاحتياج الأساسي اليومي من ذلك الهرمون لدى الشخص البالغ السليم.
يبدأ مستوى هرمون الأنسولين بالارتفاع في الدم بعد حوالي 8-10 دقائق من تناول الطعام و يصل إلي قمة مستواه بعد 30-45 دقيقة من تناول الطعام , و يعود إلى مستواه الأساسي بعد 90 – 120 دقيقة من تناول الطعام. يعتبر الجلوكوز من أقوى محفزات البنكرياس لإفراز الأنسولين و لكن عند استقرار جلوكوز الدم عند مستوى بين 80 – 100مجم/ دسل لا يقوم البنكرياس برفع إفراز الأنسولين.
يتم إفراز الأنسولين في مرحلتين:
1) المرحلة المبكرة : تبدا هذه المرحلة عند التصاعد الحاد لمستوى الجلوكوز حيث يتم إفراز الأنسولين بصورة حادة للتناسب مع هذا الارتفاع و لعل هذا هو المفسر لحالات انخفاض السكر لدى الأشخاص الذين تعرضوا لاستئصال المعدة و جزء من الأمعاء الدقيقة حيث يودئ الارتفاع الحاد للأنسولين مع عدم وجود المساحة الكافية للاستمرار في امتصاص الجلوكوز إلى عدم التناسب بين المستوى المرتفع من الأنسولين و المستوى المنخفض من الجلوكوز.
و باستمرار ارتفاع مستوى الجلوكوز يبدا مستوى الأنسولين بالتناقص التدريجي
2) المرحلة المتأخرة: و هي مرحلة الارتفاع التصاعدي للأنسولين مرة أخرى ..
تقل حساسية خلايا بيتا بالبنكرياس للجلوكوز في حالة التعرض المستمر للجلوكوز الخارجي ( من خارج الجسم) لمدة تزيد عن 4 ساعات او في حالة التعرض المستمر للجلوكوز المرتفع الداخلي لمدة تزيد عن 24 ساعة. وهذه الظاهرة غير ثابتة بل يمكن إعادتها إلى الوضع الطبيعي بإيقاف التأثر. قد يكون هذا هو التفسير لحالات ارتفاع السكر المتذبذبة عند غير السكريين, حيث يشتكي المريض من ارتفاع مستوى السكر في بعض الأوقات و يكمل المريض حديثه أن بمجرد خضوعه لتنظيم الغذاء المتناول و ابتعاده عن الإكثار الدائم من تناول السكريات و المواد الكربوهيدراتية رجع مستوى السكر إلى مستواه الطبيعي.
إن اتباع النظام الغذائي الذي يحدده أخصائي التغذية للمريض أحد العناصر الهامة لدى مريض داء السكر خاصة من النوع الثاني و ذلك للحفاظ على قدرة خلايا بيتا المتبقية لدية من إفراز الأنسولين.
يوجد الأنسولين الناضج داخل حبيبات متصلة بأحد مكونات الخلية. تبدا رحلة خروج الأنسولين بتوفر كمية من الجلوكوز داخل الخلية و وارتفاع مادة أ. [ب. ت (ATP) و التي تسمى عملة الطاقة داخل الخلية. في هذه الحالة تنتبه الخلية إلى وفرة الجلوكوز و ضرورة إفراز الأنسولين للتحكم في مستوى الجلوكوز.
يتم إغلاق بوابات خروج عنصر البوتاسيوم و تفتح بوابات عنصر الكالسيوم. عند دخول الكالسيوم إلى داخل الخلية يتم أخذه إلى داخل تلك الحبيبات و التي تنقبض ليخرج الأنسولين إلى خارجها باديا تلك الرحلة التي سوف نسير معها إلى محطتها التالية.
ما ان يصل الأنسولين الى الخلايا حتى يبحث عن مستقبلات خاصة به تقوم باحتضانه توجد على أسطح الخلايا . توجد هذه المستقبلات في كل خلايا الجسم و لعل الأنسجة الدهنية و العضلية تحظى بعدد كبير من تلك المستقبلات. تعتبر هذه المستقبلات حلقة الوصل بين الوسط الخارجي للخلية و الوسط الداخلي حيث تتضح وظائف الأنسولين. يمكن لهذه الخلايا احتضان كميات قليلة من الأنسولين نظرا لخصوصيتها لهذا الهرمون و شراهته له.
تتكون تلك المستقبلات من بروتين سكري من جزئين . يسمى الجزء الأكبر ألفا و يبلغ وزنه الجزئي 130,000دالتون ويمتد إلى خارج الخلية و يسمى الجزء الأصغر بيتا و يبلغ وزنه الجزئي 90,000 دالتون و يكون غالبا بداخل الخلية و ينتهي بأحد الأنزيمات الذي يصبح نشطا مع ارتباط الأنسولين ليودئ إلى ربط الفسفور بجزئ بيتا بصورة ذاتية لتودئ تلك العملية إلى تحفيز سلسلة من العمليات تودئ إلى إظهار الوظيفة الفسيولوجية للأنسولين.
ان هذا المسار المعقد منذ احتضان الأنسولين و حتى ظهور آثاره الفسيولوجية قد يتعرض إلى بعض العيوب الوراثية مما يودئ إلى قلة فعالية الأنسولين نتيجة اضطراب المرحلة ما بعد المستقبلات. أما بعض حالات داء السكر فتكون المشكلة فيها في تركيز أو شراهة تلك المستقبلات للأنسولين أو الاثنين معا.
تعرف ظاهرة التنظيم التنازلي بأنها تلك الظاهرة يتناقص فيها عدد مستقبلات الأنسولين نظرا توفره بكثرة و ذلك في دفاع لتقليل تأثير الزيادة في مستوى الأنسولين كما في حالات السمنة و زيادة تناول الكربوهيدرات وربما زيادة تعاطي كمية الأنسولين الخارجي و على العكس فان ظاهرة التنظيم التصاعدي تعرف بانها زيادة في عدد مستقبلات الأنسولين نتيجة قلة المتوفر من الأنسولين كما في حالات ممارسة النشاط الحركي و الصيام و ذلك لاعطاء الفرصة للمتوفر بالارتباط بالمستقبلات للحصول على التأثير الفسيولوجي للأنسولين.
إن وجود كمية زائدة من الكورتيزون يقلل من ارتباط الأنسولين بالمستقبلات حيث يقلل من شراهة تلك المستقبلات كما في حالات المرضى الذين يتلقون علاجا بالكورتيزون لفترات طويلة مثل مرضى الربو الشعبي.
لعل السماح بنقل الجلوكوز الى داخل الخلايا واحد من تأثيرات ارتباط الأنسولين بمستقبلات الأنسولين في أسطح الخلايا.
بعد وصول الأنسولين الى مستقبلاته تبدأ رحلة أخرى للجلوكوز إلى داخل الخلايا عبر نواقل مخصصة.
نواقل الجلوكوز:
ان عملية أكسدة الجلوكوز داخل الخلايا هي الموقد الذي يمد تلك الخلايا بالطاقة خاصة المخ حيث يعتمد تماما في طاقته على وفرة الجلوكوز.
يحيط بالخلية جدار خلوي يتكون من ثلاث طبقات, طبقتين دهنييتين بينهما طبقة بروتينية , لذلك فان المواد التي لا تذوب في الدهن يصعب مرورها عبر الجدار الخلوي مثل الجلوكوز و تحتاج في نقلها إلى نواقل .
بعض هذه النواقل يحتاج إلى الطاقة و البعض الآخر لا يحتاج إلى الطاقة بل يتم النقل عن طريق النقل الميسر من المستوى عالي التركيز إلى المستوى قليل التركيز.
تم وصف حوالي خمسة نواقل للجلوكوز على الاقل حتى الآن لا تعتمد على الطاقة و لها شراهات مختلفة اختصارا يطلق عليها (GLUT)
الناقل 1 (GLUT-1) : يوجد هذا الناقل في كل أنسجة الجسم البشري حيث يقوم بنقل الاحتياج الأساسي . يمتاز هذا الناقل بالشراهة الشديدة للجلوكوز لذلك يمكنه نقل الجلوكوز بتركيزات قليلة. يشكل هذا الناقل جزء هام من منظومة الحاجز الدموي الدماغي وذلك للتأكد من توصيل الجلوكوز إلى الدماغ بصورة جيدة و كافية. توجد المورثة لهذا الناقل في الخيط الوراثي رقم 1 .
الناقل 2 (GLUT-2) : يمتاز بقلة شراهته للجلوكوز ويبدو انه يعمل فقط عند وفرة الجلوكوز وارتفاع مستواه كما في حالة ما بعد الأكل. يعتبر هذا الناقل هو الناقل للجلوكوز داخل خلايا بيتا لتعمل في ظل ارتفاع الجلوكوز على إفراز المزيد من الأنسولين. لعل هذه الناقل بخاصيته تلك يوفر الحماية من الإفراز غير المحسوب للأنسولين من البنكرياس أو اخذ الجلوكوز بواسطة خلايا الكبد كما في حالات الصيام . توجد المورثة لهذا الناقل في الخيط الوراثي رقم 3.
الناقل 3 (GLUT-3) : يوجد في كل الأنسجة و هو الناقل الأساسي داخل الأنسجة العصبية و له شراهة عالية للجلوكوز و هو المسئول عن النقل بين السائل المخي الشوكي و الخلايا العصبية. توجد المورثة لهذا الناقل في الخيط الوراثي رقم 12.
الناقل4 (GLUT-4) : يوجد هذا الناقل في العضلات الحركية و الأنسجة الدهنية. توجد هذه النواقل داخل الخلايا و تتوجه إلى سطح الخلية كأحد توابع احتضان الأنسولين بواسطة مستقبلاته. توجد المورثة لهذا الناقل في الخيط الوراثي رقم 17
الناقل 5 (GLUT-5) : يوجد هذا الناقل في فرش خلايا الجهاز الهضمي البشري و الكبد و الحيوانات المنوية. يقوم هذا الناقل بنقل سكر الفركتوز حيث يوفر هذا السكر جزء كبيرا من الطاقة . يمتاز هذا الناقل بشراهته الشديدة للفركتوز. توجد المورثة لهذا الناقل في الخيط الوراثي رقم 1.
الناقل 6 (GLUT-6)
الناقل 7 (GLUT-7) : يقوم هذا الناقل بإدخال الجلوكوز المرتبط بالفسفور في ذرة الكربون رقم 6 إلى داخل أحد المكونات الداخلية للخلية. و يوجد هذا الناقل في الكبد و بعض الأنسجة الأخرى.
كما توجد مجموعة أخرى من النواقل و التي تحتاج إلى الطاقة في عملها حيث أنها تقوم بنقل الجلوكوز و الصوديوم و يطلق عليها (SGLT) و صف منها اثنين حتى الآن. توجد هذه النواقل في الجهاز الهضمي و الكلي و ذلك لاعادة امتصاص الجلوكوز:
الناقل1 (SGLT-1): يوجد في الأمعاء و الأنابيب الكلوية
الناقل 2 (SGLT-2) : يوجد في الأنابيب الكلوية.
و بدخول الجلوكوز إلى داخل الخلية تبدا عملية أخرى تهدف إلى إنتاج الطاقة اللازمة إلى لحياة الخلية و من ثم النسيج و من ثم العضو و من ثم الجسم البشري.
لعل في هذه الأسطر تتبعنا رحلة ذلك الهرمون الغالي من منبعه إلى مصبه و تتبعنا تلك البوابات التي يقوم بفتحها.
متعنا الله و إياكم بالصحة و العافية .
Share on Google Plus

About Unknown

    Blogger Comment
    Facebook Comment