الرفاهية والدمار.. حصاد العلمي

الرفاهية والدمار.. حصاد العلمي


بين عالم يعمل على أن يجعل الحياة أكثر رفاهية، وآخر ينتج ويطور كل ما هو جديد في علم الأسلحة الفتاكة، تبقى شرذمة أخرى تحاول أن تدفع في معاملها المخاطر المحيطة بالإنسانية التي أفسدت العالم من حولها. بين هذا وذاك كان حصاد العلم والتكنولوجيا في عام 2001م الذي جعلته أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة تحول لشكل العالم في الأعوام المقبلة وعلامة مميزة للقرن بأكمله.
فقد ذكرت مجلة العلوم الأمريكية في حصادها الهندسي أن كارثة 11 من سبتمبر جعلت مهندسي العالم المعماريين يعيدون النظر فيما يسمَّى بـ"ناطحات السحاب" التي أُعدت لكوارث الطبيعة، ولم تُهيأ للنيران القادمة من السماء. واجتمع هؤلاء المهندسون في "بوسطن" بعد شهر من الحادث؛ ليضعوا خططًا للتقليل منها ومحاولة الحفاظ عليها، فالحقيقة الهندسية تؤكد أن الطائرات التي اخترقت الأعمدة الجديدة إلى قلب المبنى الأسطواني لم تكن السبب الرئيسي وراء انهياره، بل إن الحرارة الهائلة المنبعثة من الطائرات المتفجرة أذابت حديده وأدت إلى انهياره.
وتوالت الكوارث على أمريكا، فكانت الكارثة النفسية واحدة من أشدها على الشعب الأمريكي وأصبح 100.000 شخص في نيويورك وحدها معرضين للإصابة بالمرض النفسي، بعدما كانت أمريكا تعاني خسائر قدرها 42 مليون دولار؛ بسبب أمراض التوتر والقلق النفسي قبل المأساة.
بعد شهر واحد من أحداث سبتمبر كانت الصفعة الجديدة لأمريكا.. الجمرة الخبيثة المرعبة، التي وضعت الأسلحة الكيماوية والبيولوجية على قائمة المخاطر التي تواجه أمريكا، وأصبح 40% من الأمريكيين يفتحون خطاباتهم بحذر، و35% منهم أيضًا يجمعون معلومات عن الإنثراكس المخيف الذي يكفي 100 كجم منه لقتل 1 إلى 3 ملايين شخص.
ورغم ما كانت تغوص فيه أمريكا من تكنولوجيا، كشفت وكالات الأنباء عن كل ما هو جديد تحت العباءة التكنولوجية الأمريكية، مثل تكنولوجيا الـ MRE بسيناريوهاتها المرعبة التي تحيك ما يشبه تدريبًا على مهمة رسمية قبل حدوثها أو تكنولوجيا الإبعاد، التي توجِّه شعاعها إلى أي شخص ليتم إبعاده، كأحد أفلام العنف الإلكترونية.
ولم يفلح "إيشلون" المتجسس على كل الأشخاص والدول أن يتوقع بتحليلاته واستنتاجاته المأساة أو حتى معرفة الجناة، لا هو ولا جواسيس أمريكا البارعون التي كانت تتباهى بهم في كل وقت... ولكن العلماء لم يفقدوا الأمل واشتدت الأبحاث التكنولوجية لتطوير أسلحة أكثر خبثًا ودهاءً مثل الطائرة الميكروسكوبية MAVS؛ وهي طائرة للتجسس في حجم الذباب.
ولكن أمريكا المكلومة في عِرضها اتجهت بأنظارها إلى "بن لادن" القابع في أفغانستان البائسة بجفافها وأمراضها ولاجئيها، وعددهم ستة ملايين، وقررت أن يكون بن لادن كبش الفداء لجراحها فتحركت بترسانتها الهائلة وجعلته حقل تجارب لكل الأسلحة القديمة والمستحدثة، بداية من B–S2 ، و"الكروز توماهوك" مرورًا بالقنابل العنقودية والنابلم المحرمين دوليًّا، نهاية بأسلحة التفريغ الهوائي، متوجة هذه الأسلحة بـ BLUE 118- B التي تخنق الشخص خنقا وتخرج جثته وكهفه لم يمسهما سوء وهي المعدّة في 2002 للبحث عن بن لادن في الكهوف والجبال. حقاً إنه ختام مرعب لعام 2001م.
2001 بين الكوارث والأوبئة
شهد عام 2001 وباء الحمى القلاعية FOOT MOUTH d. الذي كان وبالاً على بريطانيا التي لم تكن قد أفاقت بعد من مصابها بجنون البقر في نهاية 2000. وقد سرى الفيروس في كل حيوانات الظلف المشقوق سريان النار في الهشيم، وأصابت هذه الحمى 45.000 مزرعة، وأدت إلى التخلص من 1.580.000 مليون رأس من الماشية في بداية أبريل 2001.
أما الإيبولا المرعبة التي تصيب مريضها بنزيف حاد في كل أعضائه الخارجية والداخلية بشكل مخيف فقد أبت أن يمر عام 2001 دون وباء جديد أودى بحياة ما يقرب من عشرين شخص في الجابون والكنغو، بعدما كان آخر وباء لها في عام 2000 حيث قتلت 224 شخصا في أوغندا.
مشكلات تتفاقم في 2001
في سبتمبر 2001، خرجت أبحاث جديدة إلى النور تمثل دليلاً آخر يدعم نظرية الاحتباس الحراري global warning واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الكرة الأرضية، كما تنبأ عالمان في يوليو من العام نفسه أن حرارة الأرض سترتفع بحلول 2100 من أربع إلى سبع درجات مئوية، ولم تعد ظاهرة وهمية كما يعتقد الرئيس الأمريكي بوش.
ولقد أدرجت ظاهرة الاحتباس الحراري سببًا رئيسيًّا في كارثة أخرى تواجه هذا العالم، ألا وهي "التصحر" ، حيث يفقد العالم 10 هكتارات من أراضيه الزراعية سنويًّا، كان نصيب القارة السمراء نصيب الأسد؛ حيث تفقد 73% من أراضيها الزراعية وتتحول إلى أراضٍ جافة بسبب هذه المشكلة، ولا شك أن زيادة عدد سكان الأرض بمعدل 3% في عام 2001 بحسب مقاييس الأمم المتحدة لعبت دورا رئيسيا، ولا عجب إذن أن نسمع أن هناك أفرادا يعيشون على هذه الأرض بحصة ماء تعادل 90 ثانية استحمام في ظل ندرة المياه المفزعة.
2001.. وعالم الوراثة المجنون
في 31 أكتوبر من هذا العام ، رأى العلماء في ACT (شركة تكنولوجيا الخلايا المتطورة) تحت الميكروسكوب خلايا أول جنين إنساني في التاريخ.. وأعلنت هذه الشركة الخاصة في 25-11 من العام نفسه عن تمكنها من إنتاج أول جنين إنساني مستنسخ في العالم.
وفُتح جدال صارخ حول الاستنساخ البشري علميًّا وأخلاقيًّا ودينيًّا، جدالاً لن يوقف هذا العالم من أن ينزلق إلى عصر جديد من "اليوجينية " أو بمعنى آخر تحسين النسل البشري عن طريق الاستنساخ وقد أدى ذلك إلى سؤال هام فرض نفسه على عالم اليوم ألا وهو: ماذا بعد استنساخ البشر ؟
حَدَثٌ آخر وراثيٌّ اهتمت به المجلات العلمية في حصادها وكانت بدايته آخر عام 2000، حينما أعلنت شركة أمريكية خاصة عن انتهائها من المسودة النهائية للجينوم البشري، ثم أعلن الباحثون في فبراير2001 النتائج الأخيرة لهذه الأبحاث الأولية التي أظهرت أن الإنسان يمتلك ما يقرب من 26.000 إلى 40.000 جين، وهو رقم أقل بكثير من المعروف سابقاً.
قفزات طبية في 2001
سبتمبر 2001، شهد أول عملية كاملة يديرها أطباء من قارة أمريكا لسيدة في ستراسبورج بفرنسا من قارة أوروبا. فقد نجح فريق من الجراحين في نيويورك في استئصال مثانة امرأة (68 عاماً) مستخدمين أدوات روبرتية robotic وهي تبعد عنهم 7.000 كم، مسجلين بذلك تطوراً هائلاً في تكنولوجيا الإنسان الآلي.
وقد شهد عام 2001 تطوراً صاعداً في طب النانو وهو الذي نجح في إدخال آلات دقيقة إلى داخل الخلايا لعلاجها مثل تلك التي استخدمتها "تيجا ديساي" من "النيوي" الأمريكية في تطوير جهاز مصمم بالتقنية النانوية يُزرع في الأجسام المريضة بداء السكري فيغنيهم عن استخدام حقن الأنسولين.
أما عن النانوبيوتك Nanobiotics أحدث بدائل المضادات الحيوية فقد صمم العالم "غاديري" في أكتوبر 2001 ببتيد peptide يتخلل غشاء الخلايا البكترية، ويحدث ثقوبا لقتلها حيث تقوم النانونبيوتك بمكافحة البكتريا القاتلة التي أصبح لديها مقاومة أو مناعة ضد المضادات الحيوية المستهلكة.
وحول مرض الإيدز الذي يصيب 36.1 مليون شخص في العالم، فقد شهد دورة خاصة للجمعية العامة بالأمم المتحدة حضرها أكبر تجمع دولي من الرؤساء والشخصيات الهامة في تاريخه، لمناقشة المرض بعدما أصبح مهدِّداً لأمن الدول واقتصادياتها بهذه الصورة المفزعة وذلك في 25 يونيو من 2001.
على الصعيد العربي، كانت قضية الموت الإكلينيكي وما يترتب عليها من نقل للأعضاء وغلبة الرأي القائل بجوازها إحدى قضيتين أثارتا جدلاً واسعاً في بعض الأوساط العربية.. وخاصة مصر، أما القضية الثانية التي تألقت على الساحة فكانت معضلة "تأجير الأرحام" التي أثارت جدلاً واسعاً حول شكل عقد الاستئجار الدائر حوله تساؤلات دينية وقانونية كثيرة، وواجه الرفض القاطع للجنة الفتوى بالأزهر الشريف.
وفي سحر الفضاء
" تيتو".. صاحب الـ 65 ربيعاً يدخل بملايينه العشرين محطة الفضاء العالمية على ارتفاع 380 كم في فضاء جنوب المحيط الهادي.. ويدخل التاريخ كأول سائح فضائي على وجه الأرض برغم اعتراضات "ناسا" التي صعد " تيتو" رغم أنفها.
وكما صعد أول سائح إلى الفضاء سقطت محطة " مير " جوهرة التاج الروسية في المحيط الهادي بعد 15 عاماً من الدوران حول الأرض في يوم الجمعة الموافق 23 مارس، منهية بذلك تاريخ أضخم جسم يدور في الفضاء حول الأرض بعد القمر في نهاية شبه مأساوية.
وفي 2001 مرت الشمس بنقطة ذروتها في دورة نشاطها التي تتكرر كل إحدى عشرة سنة وهو ما أدى إلى ظهور أكبر بقعة شمسية على الشمس Noaa9393 منذ عشرة أعوام رصدها العلماء في مارس 2001 حيث تؤدي شحناتها المغناطيسية إلى خلل شديد في الاتصالات اللاسلكية بأنواعها.
عالَمان.. يزحفان
ما زال عالم الإنترنت يزحف بخطوات واسعة نحو كل جديد حتى ولو كان لا أخلاقيا، فقد أمكن استخدام خوادم الإنترنت web servers دون علمك أو رضاك، وطور أربعة علماء أمريكيين برنامجاً يُعدُّ الأول من نوعه الطفيلي يُسمى بالحوسبة الطفيلية parasitic computing وذلك بجامعة "نوتردام" الأمريكية وهو لديه القدرة على معالجة خوادم الويب دون وعي من تلك الخوادم وتسخيرها لإجراء عمليات الحاسب المعقدة.
كما اتجهت الأنظار إلى الإنترنت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فرغم أنه كان وسيلة فعالة وقت الأزمة فقد عاثت فيه المباحث الفيدرالية الأمريكية بحثاً عن الجناة بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية التي في الحقيقة جعلتها شرعية!. كما استخدمته أيضاً ساحة هائلة للتعبئة حربها ضد أفغانستان.
وفي حين يحاول البعض أن يجعل "شبكة الإنترنت" أداة نافعة وفعالة ضد الشر كما حدث في حرب المعلومات التي دارت رحاها بين العرب والإسرائيليين في بداية الانتفاضة وكانت الغلبة فيها للعرب على عكس التوقعات -أصر آخرون أن يلوثوا ساحة "شبكة الإنترنت" ويجعلوها ساحة غير نظيفة أو غير آمنة.
وما زال هناك الجديد الذي لا نستطيع حصره في عالم الإنترنت من تكنولوجيا ومخاطر نذكر منها دودة الشفرة الحمراء التي أصابت مئات الآلاف من الكومبيوترات في أقل من 14 ساعة في 19 يونيو 2001 وفي انتظار ما تحمله الأيام في المستقبل القريب.
أما عالم السيارات فلا يقل تقدماً وإبهاراً يوماً بعد يوم شأنه شأن الإنترنت، فسيارات المستقبل كما يعد المتخصصون أكثر أمناً ، تتحكم في اتزانها وفراملها عند الحاجة، كما أنها أكثر سرعة، وأقل في العادم ؛ لتخدم البيئة الملوثة. بل ربما تستغني عن سيارتك يوماً ما وتركب "السيجواي" segway السكوتر الكهربائي الذي ينظر إليه البعض على أنه نتاج التكنولوجيا الذكية، والآخرون يرونه لعبة غبية للأغنياء، وفي كلتا الحالتين ما زالت سيارتك أحسن حالاً منه لأنه في الواقع أغلى ثمناً منها.
هذا هو بعض ما في العالم من رفاهية، وكوارث، وتطور تكنولوجي بدا لنا في حصاد عام 2001 ، ولا عجب حقًّا بعدما رأينا وشاهدنا أن تحدد منظمة الصحة العالمية دورتها هذا العام للصحة النفسية حيث أصبح مرض الاكتئاب هو سمة لهذا العصر.
وتستمر.. الانتفاضة المباركة
أحببنا أن نختم حصادنا بشعاع من أمل؛ فالانتفاضة التي بدأت في نوفمبر 2000 ترعرعت وازدهرت في 2001، العام الأسود في سجل الإسرائيليين، فكانت أسلحتها البدائية مثل النبلة، السكين، الأحجار، والحمار، تواجه طائرات الأباتشي والكوبرا. أما في 2001، فقد بدأ استخدام الأسلحة والرشاشات، وقذائف الهاون، ودخلت الانتفاضة بهم إلى مرحلة لم تشهدها فلسطين منذ عشرات السنين، وأصبح فتى الحجارة جنباً إلى جنب مع فتى الرشاش. ثم توجتها "حماس" حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية بإنتاج صاروخ صغير وليد يتحدى العالم الصامت وهو ما زال في مهده.. تُوج عام 2001 بصاروخ "القسام1". وكل عام وأنتم بخير.
الدكتورة رحاب الصواف .
Share on Google Plus

About Unknown

    Blogger Comment
    Facebook Comment