داء السكري و الحمل

داء السكري و الحمل

كم هي جميلة تلك الحياة التي يحوم الأطفال حول جنباتها, يحملون معهم الخير و الفرح و ينثرون حولهم الضحكات و كأنهم ورود تفوح بعبير الحياة.
نعم, أطفالنا فلذات أكبادنا تمشي على الأرض.
بقدر ما نحبهم بقدر ما تكبر المسئولية الملقاة على عواتقنا نحوهم لننشئ لهم عالما أساسه الصحة و العافية. و لعل أساس نشأة ذلك الطفل هو أم سليمة متعافية.
داء السكر واحد من الأمراض المزمنة التي تصيب السيدات قبل الحمل أو مع الحمل.
ولعله من الضروري للسيدة الحامل أن تتعرف جيدا على كل ما يتعلق بالحمل المصحوب بداء السكري, ما يتعلق بها و ما يتعلق بالجنين.
واسمحوا لي أن أتجول معكم في الأسطر التالية حول داء السكر و الحمل محاولا بقدر الإمكان إيضاح كل ما يتعلق به و الإجابة عن كل التساؤلات التي تدور في مخيلة كل سيدة مصابة بهذا الداء.
داء السكر واحد من الأمراض المزمنة التي تصيب السيدة في أي مرحلة من مراحل حياتها, قبل, أثناء أو بعد الحمل. و قد يكون التقاء هذا الداء بالسيدة الحامل التقاء ابدي لا رجعة فيه يستمر إلى مدى الحياة.
قد يصاحب داء السكري السيدة الحامل منذ بداية الحمل نظرا لإصابتها بهذا الداء قبل الحمل أو أن يكون السكري قد ظهر بصورة سريرية واضحة مع الحمل وذلك في حالة السيدات المصابات باضطراب السكر الصائم أو اضطراب تحمل الجلوكوز, وكلا الحالتين يطلق عليها الآن مرحلة ما قبل الإصابة بالسكر, بينما نجد بعض السيدات يصبن بالسكر للمرة الأولى أثناء الحمل.
إن ذلك التوازن الدقيق بين مقدرة الجسم على تحمل التغيرات الفسيولوجية التي تحدث أثناء الحمل والتي تميل كفة الميزان ناحية رفع مستوى الجلوكوز بالدم وتلك التي تبقي الجسم في حالة اتزان. ولعل من أهم الأهداف التي يسعى لها الطبيب المعالج هو إزالة كافة الأسباب الخارجية كالسمنة و الغذاء غير السليم لابقاء توازن الجسم مستمرا.
تلعب التغيرات الهرمونية دورا هاما في إمالة كفة الميزان ناحية ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم وذلك لتوفير قدرا كبيرا من الجلوكوز لعملية نمو الجنين.
يقوم الجسم في أثناء الحمل بإفراز العديد من الهرمونات التي تضاد عمل هرمون الأنسولين و يحدث ذلك غالبا عن طريق تقليل حساسية و شراهة مستقبلات الأنسولين.
تلعب المشيمة دورا هاما في إمالة الميزان نحو حالة ارتفاع الجلوكوز, حيث تقوم بإفراز العديد من الهرمونات المضادة للأنسولين ولهذا ما يفسر احتمالية ظهور الإصابة بالسكر لدى بعض الحوامل حيث تكون المشيمة قد أخذت مكانتها في إفراز العديد من الهرمونات.
ولكن ما هي تلك الهرمونات التي تخفز ارتفاع السكر في دم الأم الحامل:
1)   الهرمون المنشط المنسلي المشيمي البشري (Human Chorionic Gonadotropin)
يفرز هذا الهرمون من خلايا الطبقة الارومية المخلوية إلى سوائل الام المختلفة, يبدأ ظهور هذا الهرمون لدرجة الملاحظة في دم الام أولا بعد حوالي 8-9 أيام التبويض وذلك بعد فترة قصيرة من انزراع البلاستوسيت في البطانة الرحمية, ثم بعد ذلك يبدأ ارتفاع هذا الهرمون بصورة سريعة ليصل إلى القمة خلال الأسبوع العاشر إلى الثاني عشر من الحمل ثم يبدأ هذا الهرمون بالتناقص إلى اقل من مستوى القمة بعد الأسبوع 16-20 من الحمل ويستمر على هذا المستوى مذكرا بالحمل حيث يعتبر هذا الهرمون مؤشرا لحدوث الحمل. هذا الهرمون هو أحد البروتينيات السكرية ذات الوزن الجزئي الذي يصل إلي 39 ألف. إن الوظيفة الأساسية لهذا الهرمون هي الحفاظ على الجسم الأصفر ليبقى إلى ما بعد الدورة الشهرية ليحفظ التوازن الهرموني اللازم لاستمرارية الحل حتى تكون المشيمة.
2)   الهرمون المشيمي المنشط الجسدي اللبني البشري (Human Somatomammotropin):
هو بروتين ذا وزن جزئ يبلغ 38 ألف ويبدأ إفرازه من الأسبوع الخامس للحمل, ليبدأ مستواه بالارتفاع طرديا مع حجم المشيمة. كان يطلق سابقا على هذا الهرمون- الهرمون اللبني المشيمي. يسبب هذا الهرمون نقصا في حساسية مستقبلات  الأنسولين لذلك يتسبب في ارتفاع مستوى جلوكوز الام كما يحفز هذا الهرمون إفراز الأحماض الدهنية الحرة من مخازنها في الأنسجة الدهنية للام كما أن له تأثير ضعيف مشابه لهرمون النمو.
3)   الإنزيم المشيمي المحلل للأنسولين (Placental Insulinase)
4)   الكورتيزول الحر (Free Cortisol): يزيد معدل الكورتيزول الكلى و الحر إلى حوالي 2-3 أضعاف المستوى الطبيعي
5)   هرمون الاستروجين و البروجسترون (Estrogen and Progesterone Hormones):
يرتفع مستوى إفراز الاستروجين إلى 30 ضعفا عن مستواه الطبيعي عند قرب انتهاء الحمل بينما يرتفع مستوى البروجستيرون إلى 10 أضعاف مستواه قرب انتهاء الحمل وكلا الهرمونيين يقوم بتقليل حساسية مستقبلات الأنسولين كما يمكن أن تقلل من عدد تلك المستقبلات.
ولكن ماذا يحدث في باقي منظومة الغدد المفرزة للهرمونات في جسم الحامل:
1)   الغدة النخامية: يكبر الفص الأمامي لتلك الغدة أثناء الحمل إلى اكثر من نصف الحجم الطبيعي وذلك لزيادة افرار هرمونات تلك الغدة مثل هرمون الكورتيكوتروفين, الهرمون الموجه الدرقي و هرمون البرولاكتين بينما يقل إفراز الهرمون المحفز الجرابي وهرمون المحفز لانبثاق البيضة من جريبات غراف نتيجة للتأثير السالب للاستروجين و البروجستيرون المفرزين من المشيمة. ولعل تلك الهرمونات التي يزيد إفرازها من الهرمونات المضادة لعمل الأنسولين.
2)   الغدة فوق الكلوية: يزيد معدل إفراز القشرة الكظرية للاستيرويدات القشرية على نحو متوسط و من المحتمل أن تساعد هذه الهرمونات في نقل الأحماض الأمينية من أنسجة الام لتستعمل في تصنيع أنسجة الطفل. كما يزيد إفراز هرمون الالدوستيرون إلى الضعف ليصل إلى أعلى مستوياته قرب نهاية الحمل , البعض يرجع ارتفاع الضغط أثناء الحمل إلى مستوى هذا الهرمون إضافة إلى هرمون الاستروجين.
3)   الغدة الدرقية: يزيد حجم هذه الغدة إلى ما يقارب نصف الحجم الطبيعي خلال الحمل وهذا ناتج في الأغلب عن الهرمون المنشط المنسلي المشيمي البشري إضافة إلى تأثير الهرمون المنشط الدرقي و الهرمون المنشط الدرقي المشيمي.
4)   الغدد جار الدرقية: غالبا ما تكبر هذه الغدد في أثناء الحمل خاصة إذا كان غذاء الام قليل الكالسيوم.

كما تقوم المشيمة بدور هام في إفراز العديد من الهرمونات فهي أيضا تقوم بدور الحارس الذي ينظم مرور المواد إلى الجنين:
1)   لا تسمح المشيمة بعبور هرموني الأنسولين و الجلوكاجون. ولعل هذا هو التفسير الذي يسمح للطبيب المعالج باستعمال الأنسولين كعلاج وحيد لتنظيم السكر أثناء الحمل حيث لا يؤثر بطريقة مباشرة على جلوكوز الجنين.
2)   يسمح بعبور الجلوكوز عبر المشيمة وذلك عن طريق الانتشار الميسر و الذي لا يحتاج إلى الطاقة و لكنه يتم عبر ناقل. يقل مستوى الجلوكوز الطبيعي للجنين بحوالي 20 مجم/ دسل عن مستوى الجلوكوز بدم الام.
3)   تسمح المشيمة بعبور الأجسام الكيتونية وذلك عن طريق الانتشار البسيط, لذلك فان ارتفاع مستوى تلك الأجسام بدم الام قد يشكل خطرا حقيقيا على الجنين.
4)   تسمح المشيمة بعبور الأحماض الأمينية و ذلك عن طريق النقل النشط
5)   تسمح المشيمة للأحماض الدهنية بالمرور.

ولكن ماهي التغيرات الاستقلابية التي تحدث أثناء الحمل:
بصورة عامة, يرتفع معدل الاستقلاب الأساسي للسيدة الحامل بحوالي 15% فوق المعدل الطبيعي أثناء النصف الثاني من الحمل. ولعل هذا الارتفاع في معدل الاستقلاب يفسر الشعور بالحرارة الذي تلاحظه السيدة الحامل إضافة إلى حوجة الجسم إلى إنتاج المزيد من الطاقة للعضلات لحمل ذلك الحمل الزائد و الحفاظ على اتزان الجسم.
تقل شراهة و عدد مستقبلات الأنسولين نتيجة لزيادة هرمونات القشرة الكظرية, النخامية. تزيد حركة الأحماض الدهنية مما يقلل قابلية الأنسجة لاخذ الجلوكوز. نظرا للجوع الخلوي للجلوكوز يرتفع معدل إخراج الكبد للجلوكوز.
إن هذا الارتفاع لمستوى الجلوكوز يحفز خلايا بيتا في البنكرياس لإفراز مزيد من الأنسولين و لعل هذا التأثير الدائم أثناء الحمل قد يسبب إجهادا لتلك الخلايا. كما يقوم هرمون النورادرنالين بتقليل الاستفادة الطرفية للجلوكوز كما يتعاون مع هرمون الأدرينالين ليحرر الدهون الحرة إلى الدم. كما تزيد هرمونات الغدة الدرقية من امتصاص الجلوكوز من الأمعاء ولكن قد تسبب تلك الهرمونات اضمحلال الخزين من الجليكوجين الكبدي.
إن خلايا الكبد الخالية من خزين الجليكوجين سهلة الدمار و التحمل, إن فقد هذه الخلايا يقلل مخازن الكبد للجلوكوز مما يجعل منحنى تحمل الجلوكوز سكريا. إضافة إلى أن هرمون الثيروكسين يزيد من معدل أيض الأنسولين و التخلص منه خاصة إذا كان احتياط الأنسولين قليلا مما يودئ إلى إجهاد الخلايا المفرزة للأنسولين.
كما لاحظنا مما سبق أن المناخ الداخلي للجسم يميل إلى رفع مستوى الجلوكوز بالدم ولكن هذا لا يعني أن كل سيدة حامل سوف تتصاب بداء السكري.
يهدف الجسم برفع مستوى الجلوكوز والمواد الغذائية الأخرى بدم الام إلى توفير اللبنات الضرورية لبناء جسم الجنين.
التشخيص:
يتم تشخيص داء السكري في أثناء الحمل عن طريق فحص دم السيدة الحامل لتحديد مستوى الجلوكوز. 
توقيت الفحص:
يعتمد توقيت الفحص على عوامل الخطر المحيطة بالأم الحامل.
1)   الام التي لديها عوامل خطر عالية مثل:
أ‌)      السمنة
ب‌)  التاريخ الشخصي للإصابة بسكر الحمل
ت‌)  البول السكري
ث‌)  تاريخ اسري قوي للسكر
ج‌)   الانتماء لاصول عرقية تزداد نسبة الإصابة فيها بداء السكر.
هذه الفئة من السيدات ينبغي عليها فحص مستوى السكر مباشرة في الزيارة الأولى للطبيب. إذا كانت نتيجة الفحص سالبة, يعاد الفحص مرة أخرى بين الأسبوع 24-28 من الحمل للتأكد من عدم ظهور سكر الحمل.

2)   الام التي لديها عوامل خطر متوسطة:
يتم فحص هذه السيدة بين الأسبوع 24-28 من الحمل 
3)   الام التي لديها عوامل خطر صغيرة.:
أ‌)      العمر اقل من 25
ب‌)  الوزن طبيعي قبل الحمل
ت‌)  الانتماء لاصول عرقية تقل فيها نسبة الإصابة بالسكر
ث‌)  عدم وجود تاريخ اسري قوي لمرض السكر خاصة بين الأقرباء من الدرجة الأولى
ج‌)   عدم الإصابة باضطراب منحنى الجلوكوز
ح‌)   عدم وجود تاريخ سابق لولادات متعسرة
 عند اجتماع كل هذه الخصائص في السيدة الحامل فان الطبيب المعالج لا يحتاج لفحص مستوى الجلوكوز.
يتم استخدام تحليل مستوى الجلوكوز بالدم لتشخيص داء السكر:
يتم تشخيص الداء إذا كان مستوى السكر الصائم ( مدة الصيام تترواح بين 8-10 ساعات) اكثر من 126 مجم/ دسل  أو أن يكون مستوى السكر العشوائي بالدم اكثر من 200 مجم/ دسل
هناك بعض الحالات التي لا تعطي نتيجة قاطعة للإصابة بداء السكر مثل السيدات الآتي لديهن اعتلال السكر الصائم (مستوى الجلوكوز الصائم بالدم 110-126 مجم/ دسل) أو المصابات باعتلال تحمل الجلوكوز ( مستوى الجلوكوز بعد ساعتين من الأكل 140-200مجم/ دسل) , ينصح بعمل منحنى تحمل الجلوكوز لتلك الفئة من السيدات.
منحنى تحمل الجلوكوز:
يهدف هذا الاختبار على تقيم تحمل الجسم لكمية محسوبة من الجلوكوز تعطى عن طريق الفم. تختلف هذه الكمية وفق البروتوكول المتبع في الفحص, ولكن أكثرها شيوعا هو البروتوكول الذي يستخدم 100 جم من الجلوكوز تعطى عن طريق الفم. ونظرا لان الجلوكوز في صورته النقية قد يبعث إلى التقيؤ, فينصح بتبريد السائل الذي يحتوى على الجلوكوز.يتم عمل هذا الاختبار على الأقل بعد ثلاثة أيام من الحياة الطبيعية دون قيود في تناول الأكل أو ممارسة النشاط الرياضي. ينبغي الجلوس و عدم التدخين أثناء الفحص.

Share on Google Plus

About Unknown

    Blogger Comment
    Facebook Comment