القــــــضاء على الفيــــــروســــــات الــــــبـــــــــــارزة

 

القــــــضاء على الفيــــــروســــــات الــــــبـــــــــــارزة

 

هل لنا أن نقبل بتأكيد المختص البارع في دراسة الفيروسات جوسهاوة ليدر بارغ(Joshua Lederberg) فحواه أن الفيروسات ربما تكون المنافسة الوحيدة للانسان من أجل السيطرة على الكرة الأرضية ؟ جاء هذا التأكيد المعلن عنه سنة 1989- أي بضعة سنوات بعد ظهور فيروس السيدا – ليدعم مفهوما حديث النشأة ،ألا وهو مفهوم العدوى البارزة ( infections émergentes ) .
إن استعمال لفظتي ظهور وبروز يؤكدان على صعوبة التحدث على " أمراض جديدة" , و "فيروسات جديدة" إلا بتوخي أقصى الحذر . حقيقة أن فيروسا "جديدا" لا يمكنه التواجد من العدم ،بل الانسان هو الذي ينشأه إنشاءا . فالفيروسات البارزة هي فيروسات نشعر بوجودها وتهدد الإنسان . لعل هذا الغموض يفسر خضوع مفهوم الأمراض البارزة لتعديلات متكررة. لكن من المؤكد أن العديد من الفيروسات تتجه لتوسيع موضعها لأنها تتمكن من تجاوز حاجز النوع (barrière d'espèce ) الفاصل بين مضيفها الطبيعي و الإنسان، زيادة على أن الكثير منها يستول لاحقا على مناطق جغرافية تقريبا واسعة . لقد نجح البعض من الفيروسات في تحقيق ذلك كفيروس السيدا و فيروس
الكباد (س) (hépatite C ). لا يهمنا في هذا الصدد هاته الفيروسات التي كانت في سنوات خلت فيروسات بارزة ،وخرجت الآن على نطاق هذا التصنيف : إنها للأسف فيروسات مستقرة جدا . وتدخل الأنفلونزا (grippe) التي نعتقد أننا نعرفها ضمن هذا التصنيف .
و الحقيقة أن ما نخشاه خروج الأنفلونزا من إطار الأوبئة السنوية لتظهر في السنوات اللاحقة جائحة pandémie** أكثر فتكا بكثير .
فيروس إيبولا (Ebola) مرسوم هنا انطلاقا من صورة أولى لم تأخذ أبدا
لهذا الفيروس سنة 1976. والفيروس مثال نموذجي على هذه الفيروسات الخطيرة جدا
التي لا نستطيع دراستها إلا داخل مختبر ذو درجة أمن عالية من المستوى الرابع.
© Sion Touhig/ Sigma;.Gragera/ SPL Cosmos
Vaincre les virus émergents , Enquête de nouveaux espaces
La recherche N° 351 ,Mars 2002 .
العنوان الأصلي للمقال :
*أستاذ مختص فى دراسة الفيروسات بجامعة الطب الفرنسية (Brest) ومراسل الأكاديمية الوطنية للطب .
**شكل وباء يمتد إلى قارة كاملة بل يمتد حتى الكرة الأرضية جمعاء-الكاتب

البحـــــــث على فضــــــــاءات جديــــــــــــدة

كيف نصف الفيروسات التي يبدو أنها آتية من عدم ,والمسؤولة على أوبئة مذهلة؟ لقد أنشأ مفهوم العدوة البارزة سنة 1989 ردا على هذا السؤال. إن ارتفاع معدل الوفيات و انتشال الفيروس على مستوى الكرة الأرضية لعلامة على بروز (emergence) ناجح .
وضعت المركبة الفضائية لبرنامج الفضاء الامريكي (Apollo 11) في 21 جويلية 1969 على سطح القمر المركبة الفضائية المسماة
( module linéaire) ،وطاقم أمريكي بقي على سطح القمر 300 مائة ساعة :”إنها خطوة عظيمة للإنسانية ! “. ثم ظهر فجأة في بداية شهر أكتوبر من عام 1969 في نيجيريا وغانا مرض فيروسي جديد يصيب عيون المرضى :التهاب الملتحمة النزفي الوبائي . لقد ربط الأفارقة مباشرة علاقة بين المرض الذي اطلقوا عليه أبولو 11 و تجرأ الانسان على وطأ القمر بقدميه .
بالفعل ،يمثل القمر وهو الأساس الأنثوي المتسامح عند جماعة الفون (Fons) وجماعة يوروبا (Yorubas) ، كما هو الحال عند شعب الأشهنتي (Ashantis) حكمة العالم . لم يكن لمضايقة القمر بمثل هذه الجرأة إلا اعطاء نتائج وخيمة ...كان حقيقة سبب هذه العدوى البصرية المعدية جدا فيروسات داخلية (entérovirus)”جديدة” ،وصلت عدة بلدان من إفريقيا و أوروبا ،و آسيا في شكل جائحة. بدا كما
لو أن هذه الفيروسات تأتي من العدم ,وكانت مسؤولة على أوبئة* (épidémie ) مذهلة ،عقبها معدل وفيات مخيف جدا ( يناهز 88% عند فيروس ايبولا). فيروس” جديد” ،فيروس “بارز” أو أيضا فيروس “بارز من جديد”. كيف يمكن أن نصف بالتدقيق هذه العوامل الممرضة ذات الصدى الاعلامي الكير كفيروسات الحمى النزفية Marburg(1967 ),الذى سمي بهذا الاسم نسبة للمدينة الالمانية وفيروس
Lassa (1969) أو فيروس إيبولا (1976) ؟

مفــــــــهوم جـــــــــــــــــــــــديد

صاغ مفهوم العدوى البارزة سنة 1989 (Stephan S.Morse),لما كان مساعد أستاذ مختص بدراسة الفيروسات بجامعة
(Rockfeller) بنيويورك،وذلك خلال مؤتمر خصص لفيروسات ظهرت في شكل وبائي حديثة العهد تقريبا .وذكر الأستاذ فيروس السيدا كمثال أنموذجي(2,1) . وقد دعم مباشرة (Joshua Lederberg ) المختص في دراسة الفيروسات والحاصل على جائزة نوبل في الطب هذا المفهوم مؤكدا على :"الفيروسات هي المنافسة الحقيقية للانسانية من أجل السيطرة على الكرة الأرضية "(2) . وقام Joshua بنفس الأمر في شهر جوان من عام 1995 ،أثناء مؤتمر آخر حول الأمراض المعدية البارزة حيث تلفظ بجملة أخرى مشهورة :"إن الصراع ضد الجراثيم معركة بين الذكاء و المورثات "(3).
* انتشار مرض بين أفراد مجتمع محدد جغرافيا على مدى فترة زمنية محدودة .يشير هذا المصطلح عادة إلى مرض معد كالانفلونزا التي تنتشر من حالة إلى حالة أو بواسطة حملتها – المترجم (راجع :معجم أكاديميا المصطلحات العلمية والتقنية, إنجليزي فرنسي عربي, أكاديميا أنترناسيونال 1993-1998).
نلاحظ بأن المفهوم قد اتسع أكثر من قبل، لأن الأمر لم يعد يتعلق بفيروسات فحسب،بل بـ "ميكروبات (Microbes)*
على العموم . لقد شهدت نفس السنة(1995) إصدار مجلة طبية جديدة تسمى( Emerging Infectious Diseases)
نشرها مركز (Centers For Diseases Conrtrol) بالولايات المتحدة . وعرف( Morse) في العدد الأول من المجلة العدوى البارزة كونها :"عدوى ظهرت حديثا داخل مجموعة سكانية أو عدوى وجدت سابقا , لكن أثرها وتوزيعها السكاني يرتفع سريعا"(4) .
إذا كان القسم الأول من هذا التعريف لا يشكل أي مشكلة لأنه يدرج جميع البروزات المعدية , فهو بالمقابل تعريف غامض جدا في قسمه الثاني أي في قسم إعادة بروز الفيروسات . يوجد بالفعل , وكما هو واضح عدة عدوات كثيرة" وجدت من قبل " قادرة على أن توسع فجأة من نطاق توزيعها الجغرافى . إنها حالة السل و الملاريا (paludisme) و البلهارزيا ,وأمراض البقري التي لم تكف على إقلاق البشرية منذ العصر الحجري الأخير. ويمكن لهذه الفيروسات أن تمثل موضعيا انتكاسات مفاجأة سيما إذا ضعفت اجراءات الوقاية،وهو ما هو الحال عليه الان. لكن هذه الانتكاسات الوبائية كانت دائما قسما من التاريخ الطبيعي لهذه الأمراض. يعد استعمال لفظ اعادة بروز للتكلم على هذه الأمراض ضربا من الافراط . لقد أنشأت منظمة الصحة العالمية من جهتها سنة 1995,فرع مراقبة الأمراض البارزة وأمراض متنقلة أخرى , يتضمن كل أعراض الأمراض المعدية,ومن أجل ذلك تبنت تعريفا للعدوى البارزة أكثر شمولية من تعريف مورس ,حيث قالت : إن الامراض المتنقلة والبارزة ومتجددة البروز هي عدوات جديدة أو عدوات ظهرت مجددا ،أو أصبحت مقاومة للأدوية أو أمراض ازداد تأثيرها خلال السنوات العشر الأخيرة أو تهدد بالارتفاع فى مستقبل قريب (5) . غير أنه ليس من المستحيل أن نحدد مرة أخرى محتوى الصيغة باقتصارنا على مجال الأمراض الفيروسية. و هكذا هل بامكاننا تعريف البروز الفيروسي كالتالي ؟ :
"ظهور عفوي ومفاجأ أو تدريجي لعدة حالات من عدوى ناجمة على فيروس جديد حسب الظاهر- على مستوى العناصر المورثة والمجموع المورث,بل حتى على مستوى النوع بانسراب ومعدل وفيات كبيرين"(6) .
*كلمة تدل على أي عضوية دقيقة وبخاصة تلك التى تسبب الأمراض ويغطي هذا المصطلح الجراثيم والفيروسات والملتهمات الكبيرة والحرشفيات والفطور والعفن والحيوانات أحادية الخلية-المترجم (نفس المرجع).

مـــا هــــــو مستــقبــــــل الانـــــفــــــــــــــلونـــــــــــزا ؟

تسبب فيروس الأنفلونزا من أصل طيري في هونغ كونغ سنة 1997 في عشر إصابات بعدوى بشرية ،وعشر وفيات معظمها من الأطفال. لقد كان مصدر الفيروس تربية مكثفة للدواجن ،وخشينا في وقت ما أن نشهد بروز جائحة جديدة أكثر فتكا من كارثة " الأنفلونزا الاسبانية سنة 1918-1919" التى خلفت 20 مليون قتيل . تخلصنا من حوالي مليون ونصف دجاجة كإجراء وقائي ,وظهر أنه لم يحصل أية انتقال للفيروس في صفوف البشر :لقد أجهض هذا البروز . لكننا إذا سألنا التاريخ وعلم أوبئة الأنفلونزا أو أيضا البيولوجيا الجزيئية لفيروسات الأنفلونزا فإن الأجوبة تتقارب : يمكن استشراف بشكل معقول و بمستقبل قريب جائحة جديدة للأنفلونزا من نوع (A) دون تمكننا من توقع مكانها وزمانها ،بالرغم من أن الخطر يبدو محددا أساسا في أقصى الشرق.بقيت كل من الحالة الوبائية وجائحة "الأنفلونزا الروسية" منذ سنة 1977 مستقرة : ينتشر كل شتاء أصلين (Souche) من فيروس الأنفلونزا (A) و (H1N1) و(H3N2) وأصل فيروس الأنفلونزا (B).تفسر التركيبة الجزيئية لفيروس الأنفلونزا (A) الضغوطات الوبائية الشتوية وظهور الجائحات على حد سواء .في الحالة الأولى تحدث طفرة أو طفرات (mutation) منتظمة على مستوى جينوم الرينا(RNA) للفيروس وهو جينوم على الخصوص غير مستقر.
29 ديسمبر 1997
ذبح بائع في سوق هونغ كونغ دجاجه تلبية لأمر الحكومة المهتمة بتوقيف انطلاق وباء الأنفلونزا الذي ينتقل
للإنسان عن طريق الدواجن
© Vincent Yu / Sipa
وتسبب هذه الطفرات في تغيرات محتشمة للمولدات ايماغلوتينين H (hemagglutinine) والسطح نورامينيداز N (neuraminidase).
تفسر "كسحات العناصر المورثة " هذه في قسم منها ،سبب إعادة إجراء التلقيح المضاد للأنفلونزا كل سنة .أما الجائحات فتنتج عن تأشب
جيني (recombinaison génétique ) بين فيروس الأنفلونزا(A) حيواني( خنزيري , طيري),وفيروس بشري (10).ويحدث حينئذ ما يطلق عليه اسم تصدع العناصر المورثة (cassure antigénique) ،وبروز فيروس يستحيل على التلقيحات السيطرة عليه .
يتعلق الأمر مثلا بالسيدا والأنفلونزا في فترة انتشار جائحة (راجع :ما هو مستقبل الأنفلونزا ؟) أو حمى إيبولا عقب ظهورها الأول سنة 1976.
وفي هذا الصدد يتمثل إعادة البروز الفيروسي (reemergence virale ) في إعادة ظهور مرض فيروسي يشخص بهذا الشكل ،وبرز تقريبا منذ مدة . يوجد مجال حر و هادئ بين البروز الابتدائي وإعادة البروز , وذلك ما حدث لفيروس إيبولا سنة 1976 و 1994.

شــــــــــــــــــــــــــروط النـجــــــــــــــــــــــــــاح

ربما تبرز كل عام عدة فيروسات انطلاقا من خزانات متوحشة ( قوارض ,طيور و قردة ) و من أنظمة بيئية مختلفة جدا .تعبر الفيروسات في بداية الأمر ما أصطلح على تسميته" بحاجز النوع" : يتمكن فيروس من أصل حيواني من إصابة كائن بشري بالعدوى .
إذا تمكن الفيروس من إصابة سوى بضعة أفراد ،ولم يجلب الانتباه فيمكن القول حينئذ أن بروزه قد فشل .وفي حالات اخرى تقل عددا يتوصل الفيروس إلى إصابة تجمع سكاني كامل بالعدوى ,سواء تعلق الأمر بحالات جماعية مصابة بعدوى من نفس المصدر أم بإ نتشار حقيقي للوباء, بمعنى انتشار سريع تقريبا للفيروس في الزمان و المكان.
إن هذه المرحلة الثانية هي التي تطبع ما أسميناه هنا بـ " نجاح بروز " الفيروس (7,6). يمكننا تصنيف البروز و إعادة البروز الفيروسي في شكل أربعة أنواع ,وذلك حسب عدد الوفيات التي تتسبب فيها حلقة البروز أو إعادة البروز,لكن ايضا حسب قدرات الفيروس للهروب من مواطنه الطبيعية للعدوى لينتشر في مسافة بعيدة سيما قدرته على استعمار قارات جديدة : تكون في الصنف الأول من البروز الناجح قدرة النجاح عالية وفي الصنف الثاني تكون قدرة النجاح محدودة . أما الصنف الثالث فقدرة البروز فيه غير ناجحة في الوقت الحالي .
إن السيدا بـ 40 مليون مصاب في العالم 70% منهم في إفريقيا شبه الصحراوية، تعد مثال حتى على مرض فيروسي جديد نجح في بروزه نجاحا كاملا . لقد سبق أن قتلت السيدا حوالي 20 مليون مريض ،وتحدث كل يوم إصابات جديدة بالعدوى تصل إلى 15.000 شخص .(8).
انتقلت الفيروسات التراجعية* (retrovirus ) لقردة الأفارقة، التي هي أصل فيروس فقدان المناعة المكتسبة (VIH1 et VIH2) إلى الإنسان وانقسمت إلى عدة مجموعات جينومية، وبهذا الشكل اكتسبت فيروسات السيدا قدرات جديدة ومتطورة .
مثال على فيروس نجح في بروزه : فيروس الكباد(س) (Hépatite C) , الذي تمكن من اصابة 170 مليون شخص في العالم بالعدوى
منهم( 200.000-450.000) شخص في فرنسا.( I). أو فيروس الأنفلونزا ( راجع: ما هو مستقبل الأنفلونزا؟ ). تعد إذن الوفيات بالملايين في هذا الصنف من عمليات البروز الفيروسية, التي تخص كل الكرة الأرضية.
معتقدا ت وخرافات
تأثر تأثيرا كبيرا على تصور المجموعات السكانية بشأن ظهور أمراض جديدة , كما تأثر على التطابقات بين الأحداث.وهكذا لم يتحمل القمر
وهو أساس التسامح في عدة بلدان إفريقية إزعاجه سنة 1969 ( هنا في مالي عند شعب الدوغن Dogons ) وكان نتيجة ذلك ظهور وباء التهاب
الملتحمة النزفي الذي أصاب في نفس الفترة كلا من نيجيريا وغانا ...© Guenet /Rapho
*نوع فيروسات الحمض الريبي النووي RNA , له القدرة على إنتاج نسخة من الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجينDNA من حمضه الريبي النووي.عندما يصيب الخلية العائلية-المترجم, (راجع :معجم أكاديميا المصطلحات العلمية والتقنية, إنجليزي فرنسي عربي,أكاديميا أنترناسيونال 1993-1998). (I) La Recherche a publie :Jon Cohen," hepatite C,Infection Silencieuse et bombe à
retardement ", Novembre 1999.

فــــــــــــي أوج الازدهـار

يجمع البروز ذو قدرة النجاح العالية عدوات فيروسية يتجه توزيعها الجغرافي حاليا للارتفاع ,لكنها لم تتسبب حتى الآن سوى في أضرار نسبية-أقل من مليون قتيل عقب كل حلقة . وينطبق هذا على حال إعادة البروز الحديثة لفيروس (West-Nile)المشابه لفيروس التهاب الدماغ الياباني (Encéphalite japonaise) (راجع: الانتشار المخيف لفيروس"West-Nile").
ويعد فيروس حمى واد الريفت(Rift) فيروسا آخرا من الفيروسات التي تصف انتشاره منظمة الصحة العالمية بالانتشار المقلق للغاية. يتنقل الفيروس بواسطة بعوض مسببا الأمراض للإنسان والحيوانات الأليفة. غير أنه لم يظهر لمدة طويلة في إفريقيا الشرقية و الجنوبية ومصر سنة
(1977) و موريتانيا سنة (1987) ،ومدغشقر سنة(1990). لكنه امتد فجأة في شهر سبتمبر من عام (2000) ليصل الى اليمن و العربية السعودية حيث تسبب خلال شهر في وفاة مائة إنسان ...
أما البروز ذو قدرة النجاح المحدودة فهي محصلة فيروسات قادرة على التسبب في عدد هائل من الوفيات ( تفوق 50%),لكن في كل حلقة فردية منها لم تسبب حتى الآن سوى في بضعة مئات من الوفيات . نذكر هنا مثال فيروس إيبولا وفيروسات أخرى تسبب الحمى النزفية. يبدو حتى الان أن هذه الفيروسات قادرة شيئا ما على الانتشار على المستوى العالمي بالرغم من أنها مرتبطة كثيرا بمحايا*(Biotopes) غابية .
الانتشار المخيف لفيروس "West-Nile "

إن فيروس "West-Nile " المعزول لأول مرة عام 1937 في أوغندا قد أخذ من مناطق رطبة حيث تجتمع طيور مائية، وبعوض من نوع البعوض النامس (Culex) الذي يلعب دور ناقل للفيروس . ثم وجدنا الفيروس في إسرائيل ومصر جنوب إفريقيا و تشيكوسلوفاكيا و الهند وفرنسا ,حيث كشف عنه في مدينة (Camargue) عام 1964. ولم نكن حينئذ نتحدث عليه كثيرا ،حيث كان مسؤولا على حالات من الحمى التي لم تشكل أية خطر. وبدأ الوضع يتغير
سنة 1994(12,11) حيث صرح بوجود أوبئة التهاب الدماغ الحادة أصابت سواء الإنسان أم الخيل (وأحيانا كلاهما) في الجزائر _سنة 1994) ،و المغرب
ورومانيا( 1996) وفي جمهورية التشيك (1997) وإيطاليا وRDC"(جمهورية الكونغو الديمقراطية)3الزائير سابقا" و روسيا (1998)، و أخيرا الولايات المتحدة سنة 1999.
باعوض وطيور ( تمثل الصورة هنا غراب من "Central Park" سنة 1999 ) هي المتلقية الطبيعية
لفيروس"West-Nile " . أما الإنسان فهو متلقي الفيروس بالصدفة .
© D.Jennings /AP.
*محيا : مساحة في بيئة منتظمة و مثل مواقع معينة في قاع بعض الأنهار حيث التربة ناعمة ودرجة الحرارة منخفضة ثابتة
و المساحة جيدة التهوئة.المترجم (راجع :معجم أكاديميا المصطلحات العلمية والتقنية, إنجليزي فرنسي عربي, أكاديميا أنترناسيونال 1993-1998).
لقد اصاب مدينة (Camargue) الفرنسية الصغيرة خلال صيف عام 2000 موتان خيلي (Epizoodie équine) خطي،ر وظهر من جديد في نفس السنة فيروس "West-Nile " في ولاية نيويورك وفي إسرائيل، وامتد في عام 2001 لولاية جورجيا وجنوب أونتاريو بكندا ة، بل أكثر من ذلك
بينت الدراسات الخاصة بجينوم فيروس"West-Nile " المعزول سنة 1999 بالولايات المتحدة أن مصدر الفيروس الشرق الأوسط ، وأكثر تحديدا إسرائيل .
أما البروز غير الناجح فإنه لحد الان يظهر بطريقة أكثر احتشاما بكثير(تتسبب بالكاد فى عشرات الوفيات)، لكنها وفيات لا تقل خطورة . نذكر على سبيل المثال لا الحصر فيروس الانفلونزا من أصل طيري، الذى خشي أن يتسبب فى هونكونغ سنة 1997 فى جائحة جديدة ,(راجع :
ما هو مستقبل الأنفلونزا ؟ ) . يفرض هذا الانحراف(dérivation) المحتمل للفيروسات الحيوانية تجاه الإنسان حذر دائم لأن فشل قد يتحول فى يوم ما إلى كارثة صحية (9 ).

مــعـــيــــار الــــــصـــــــراع

من الصعب أن نحدد قبلا – باستثناء جائحات السيدا والكباد(س)- البروز الواجب تفضيله على إستراتيجيات خاصة بصراع (وبائي –مراقبي , مراقبة بالساتل و البحث على تلقيحات جديدة ،أو تلقيحات مضادة للفيروسات وقواعد علاجية), وتقديم ميزانيات مناسبة. وفي هذا الصدد يمكن أن يكون مفهوم نجاح البروز مفهوما مفيدا لأنه يأخذ بعين الاعتبار عدد الوفيات ،التي يتسبب فيها الفيروس إثر كل حلقة عالمية وقدرة لانتشار الفيروس في مجموعة سكانية محلية، بل حتى عالمية . ويسمح بالفعل بموازنة الأهمية النسبية لمختلف عمليات البروز و تقدير درجة خطورتها الوبائية ووزنها الصحي المحتمل على الجماعة .
هل يعد ذلك وسيلة تجنب أن يكون الوزن الاعلامي المموجه الوحيد لفيروس معين يختاره أصحاب القرار ؟
انتهى.

 

Share on Google Plus

About Unknown

    Blogger Comment
    Facebook Comment