زرع
قلب
مسرحية في فصل
واحد
شخصيات المسرحية: القلب (س): قلب الشاب سليم.
القلب (ع): قلب العجوز عاصي.
فكرة المسرحية:
ـ الشاب سليم تعرض لحادث أدخله في حالة موت دماغي، وكان سبق له أن أعلن رغبته في التبرع بأعضائه في حال وفاته، واختير قلبه ليزرع في صدر محتاج إلى عملية زرع قلب.
ـ العجوز عاصي مسن يعاني من قصور قلبي شديد، وقد أمضى الأشهر الأخيرة من حياته تحت قناع الأوكسجين بانتظار متبرع لقلب.
القلب (س) موضوع في صندوق، ويطير في طائرة عمودية باتجاه المشفى المركزي، حيث يقوم فريق من الجراحين بالاستعداد للقيام باستئصال القلب (ع)، وزرع القلب (س) مكانه.
وصل القلب المسافر بالسلامة ووُضع على المنضدة في غرفة العمليات، وما إن مرت ساعات حتى ألقي بجانبه القلب المستأصل.
أدرك كل من القلبين أن لحظات معدودات أمامهما قبل أن يفترقا إلى الأبد، فأحب القلب (س) أن يستفهم من المستأجر المطرود عن طبيعة المسكن الذي سيزرعونه فيه، ودار بينهما الخطاب التالي:
س: سلام عليكم دار قوم آمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون.
ع: وعليكم السلام، وأهلاً وسهلاً بك ساكناً جديداً لبيتي القديم.
س: خبرني بربك ما كانت أخبارك وأخبار صاحبك؟
ع: إنني أشفق عليك أيها المسكين، فكل قلب يحيا حياة واحدة، وأنت كتب لك أن تحيا حياتين، وستكون مسؤولاً عن شخصين، ذاك الذي فارقت وهذا الذي ستلاقي.
أما قصتي مع صاحبي هذا الذي تراه مستلقياً بلا قلب على طاولة العمليات، فإنه بلا شك قد بذل جهده في حياتي كي يذيقني أصناف العذا ويحملني فوق طاقتي.
فأما من ناحية الغذاء فقد بحث عن كل ما يؤذيني وأدمن عليه، فقد أحرقني بدخان تبغه، وأسكرني بغول خمره، وأثقلني بدسم طعامه، حتى كانت خطواتي تقف حيناً، وتتعثر حيناً آخر.
لقد كان مدمن سهر، وكنت لظروف سهره أعمل بجهود مضاعفة كي أحقق له أمنياته في تلك الليالي.
كان حقوداً، حسوداً، لئيماً، متكبراً، وكل صفة مما سبق زرعت في جزء من جداري بقعة سوداء منتخرة تأكل جوارها بفعل الزمن.
ولا أنكر أني انتقمت منه مرات عديدات لسوء معاملته لي، وبأسـلوب مختلف في كل مـرة، فمرة توقفـت عن العمـل حتى أصبح شديد الزرقة ثم عدت إلى نشاطي بعد أن اخترقتني صدمة كهربائية، ومرة أوقعته في شراك حب أذاقه من الهون والمرارة ألواناً، حتى أصبح يتمنى الموت بعد أن كان يتنفس الحياة، وفي هذه المرة تلذذت بعذابه، فكنت أحياناً أمنعه من النوم مطالباً بمحبوبي، وأحياناً أمنعه من التركيز فيدور في مكانه لا يعرف قراراً، وأحياناً أضع يدي على فمه فتزول رغبته في الطعام والكلام.
وهكذا كما ترى تفنن كل واحد منا في إرهاق صاحبه، حتى وقعنا نحن الاثنين طريحي الفراش.
فحصه الأطباء وقرروا أني أصبحت قليل الجدوى، وبأن قلباً آخر أكثر صحة يلزم لصاحبي وإلا أصبح هو الآخر عديم الجدوى. وكنت لسوء حظك أنت المرشح لذلك، فمن أنت أيها المسكين؟
س: يا صديقي الجديد، أنا قلب لفتى شاب لم يتجاوز عمره العشرين، وقد كنت صاحب قضية في صدر صاحبي، فقد كان من رماة الحجارة في أرض فلسطين، وكان يعتمد عليّ في كرّه وفرّه حيث كنت أمده بالشجاعة والقوة والخفقان القوي.
لم يكن يسمح لغير قضية وطنه باحتلال جوفي، ومع أن جارة له لطيفة حسنة الخَلْق والخُلُق طيبة المعشر شديدة الحياء، حاول طيفها اختراق شفافي، ولكن الفتى صاحبي ـ على الرغم من إعجابه الشديد بها وشعوره بأن فتاة كهذه تستحق أن يقدم لها قلبه قرباناً ـ لم يسمح لمشاعره بالاسترسال، فهو يؤمن بالأولويات ويريد أولاً وطناً حراً كي يستطيع أن يبني بعد ذلك بيتاً سعيداً يضج بصرخات أطفال يلعبون ببراءة بدمى وليس بأحجار.
وفي يوم ما خرج صاحبي وقد ملأ جعبته بأحجار متنوعة، وبدأ يسدد ويقذف باسم الله، إلى أن جاءت الرصاصة القاتلة فاخترقت عظام رأسه واستقرت في دماغه.
جاءت سيارات الإسعاف ونقلته إلى المشفى ووضعوه على أجهزة التنفس الاصطناعية، وشخصوا له موتاً دماغياً وقرروا إيقاف الأجهزة بعد إخبار الأهل بفاجعتهم.
تلقى الوالدان الصدمة بحزن وصبر، بإيمان ودموع، فأخبار الجرحى والشهداء خبزهم اليومي، وتكلم الأب من خلال الدموع والشهقات، وأخبر الأطباء أن رغبة شهيدهم كانت بالتبرع بقلبه لشخص محتاج إلى زراعة قلب، وهكذا كانت قصتي عن الحضور إلى هنا.
ع: أهلاً وسهلاً بك، وأهلاً بتربيتك الطيبة وبنفسك الزكية، ولا أكتمك أني أغبطك على منزلتك، فأنا أمضيت حياتي أنقبض وأنبسط كي أؤمن لصاحبي قوة الاستماع باللذات والمحرمات وإيذاء الآخرين، بينما أنت أعطت خفقاتك القوة لصاحبك كي يحلق في طريق الخير وطريق الجهاد.
وما أتمناه لك أرجو أن يكون مستقبلاً مشرقاً في صدر صاحبي، ولا تيأس من ظلامه الدامس عندما تسكن فيه، فقلب بمثل قوة إشراقك لن تخيفه الظلمات، بل سيمتد نوره ليكون ضياء لصاحبه في كل مكان.
امتدت الأيدي لتلتقط القلب الشاب بحنان، وتضعه في مستقره الجديد، على أمل حياة جديدة يعيشها هذا المزروع في جو من البر والأعمال الصالحة، عسى الله أن يبدل حياة هذا العجوز ويجعلها أهلاً لشرف القلب الشهيد.
ـ إسدال الستائر ـ
شخصيات المسرحية: القلب (س): قلب الشاب سليم.
القلب (ع): قلب العجوز عاصي.
فكرة المسرحية:
ـ الشاب سليم تعرض لحادث أدخله في حالة موت دماغي، وكان سبق له أن أعلن رغبته في التبرع بأعضائه في حال وفاته، واختير قلبه ليزرع في صدر محتاج إلى عملية زرع قلب.
ـ العجوز عاصي مسن يعاني من قصور قلبي شديد، وقد أمضى الأشهر الأخيرة من حياته تحت قناع الأوكسجين بانتظار متبرع لقلب.
القلب (س) موضوع في صندوق، ويطير في طائرة عمودية باتجاه المشفى المركزي، حيث يقوم فريق من الجراحين بالاستعداد للقيام باستئصال القلب (ع)، وزرع القلب (س) مكانه.
وصل القلب المسافر بالسلامة ووُضع على المنضدة في غرفة العمليات، وما إن مرت ساعات حتى ألقي بجانبه القلب المستأصل.
أدرك كل من القلبين أن لحظات معدودات أمامهما قبل أن يفترقا إلى الأبد، فأحب القلب (س) أن يستفهم من المستأجر المطرود عن طبيعة المسكن الذي سيزرعونه فيه، ودار بينهما الخطاب التالي:
س: سلام عليكم دار قوم آمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون.
ع: وعليكم السلام، وأهلاً وسهلاً بك ساكناً جديداً لبيتي القديم.
س: خبرني بربك ما كانت أخبارك وأخبار صاحبك؟
ع: إنني أشفق عليك أيها المسكين، فكل قلب يحيا حياة واحدة، وأنت كتب لك أن تحيا حياتين، وستكون مسؤولاً عن شخصين، ذاك الذي فارقت وهذا الذي ستلاقي.
أما قصتي مع صاحبي هذا الذي تراه مستلقياً بلا قلب على طاولة العمليات، فإنه بلا شك قد بذل جهده في حياتي كي يذيقني أصناف العذا ويحملني فوق طاقتي.
فأما من ناحية الغذاء فقد بحث عن كل ما يؤذيني وأدمن عليه، فقد أحرقني بدخان تبغه، وأسكرني بغول خمره، وأثقلني بدسم طعامه، حتى كانت خطواتي تقف حيناً، وتتعثر حيناً آخر.
لقد كان مدمن سهر، وكنت لظروف سهره أعمل بجهود مضاعفة كي أحقق له أمنياته في تلك الليالي.
كان حقوداً، حسوداً، لئيماً، متكبراً، وكل صفة مما سبق زرعت في جزء من جداري بقعة سوداء منتخرة تأكل جوارها بفعل الزمن.
ولا أنكر أني انتقمت منه مرات عديدات لسوء معاملته لي، وبأسـلوب مختلف في كل مـرة، فمرة توقفـت عن العمـل حتى أصبح شديد الزرقة ثم عدت إلى نشاطي بعد أن اخترقتني صدمة كهربائية، ومرة أوقعته في شراك حب أذاقه من الهون والمرارة ألواناً، حتى أصبح يتمنى الموت بعد أن كان يتنفس الحياة، وفي هذه المرة تلذذت بعذابه، فكنت أحياناً أمنعه من النوم مطالباً بمحبوبي، وأحياناً أمنعه من التركيز فيدور في مكانه لا يعرف قراراً، وأحياناً أضع يدي على فمه فتزول رغبته في الطعام والكلام.
وهكذا كما ترى تفنن كل واحد منا في إرهاق صاحبه، حتى وقعنا نحن الاثنين طريحي الفراش.
فحصه الأطباء وقرروا أني أصبحت قليل الجدوى، وبأن قلباً آخر أكثر صحة يلزم لصاحبي وإلا أصبح هو الآخر عديم الجدوى. وكنت لسوء حظك أنت المرشح لذلك، فمن أنت أيها المسكين؟
س: يا صديقي الجديد، أنا قلب لفتى شاب لم يتجاوز عمره العشرين، وقد كنت صاحب قضية في صدر صاحبي، فقد كان من رماة الحجارة في أرض فلسطين، وكان يعتمد عليّ في كرّه وفرّه حيث كنت أمده بالشجاعة والقوة والخفقان القوي.
لم يكن يسمح لغير قضية وطنه باحتلال جوفي، ومع أن جارة له لطيفة حسنة الخَلْق والخُلُق طيبة المعشر شديدة الحياء، حاول طيفها اختراق شفافي، ولكن الفتى صاحبي ـ على الرغم من إعجابه الشديد بها وشعوره بأن فتاة كهذه تستحق أن يقدم لها قلبه قرباناً ـ لم يسمح لمشاعره بالاسترسال، فهو يؤمن بالأولويات ويريد أولاً وطناً حراً كي يستطيع أن يبني بعد ذلك بيتاً سعيداً يضج بصرخات أطفال يلعبون ببراءة بدمى وليس بأحجار.
وفي يوم ما خرج صاحبي وقد ملأ جعبته بأحجار متنوعة، وبدأ يسدد ويقذف باسم الله، إلى أن جاءت الرصاصة القاتلة فاخترقت عظام رأسه واستقرت في دماغه.
جاءت سيارات الإسعاف ونقلته إلى المشفى ووضعوه على أجهزة التنفس الاصطناعية، وشخصوا له موتاً دماغياً وقرروا إيقاف الأجهزة بعد إخبار الأهل بفاجعتهم.
تلقى الوالدان الصدمة بحزن وصبر، بإيمان ودموع، فأخبار الجرحى والشهداء خبزهم اليومي، وتكلم الأب من خلال الدموع والشهقات، وأخبر الأطباء أن رغبة شهيدهم كانت بالتبرع بقلبه لشخص محتاج إلى زراعة قلب، وهكذا كانت قصتي عن الحضور إلى هنا.
ع: أهلاً وسهلاً بك، وأهلاً بتربيتك الطيبة وبنفسك الزكية، ولا أكتمك أني أغبطك على منزلتك، فأنا أمضيت حياتي أنقبض وأنبسط كي أؤمن لصاحبي قوة الاستماع باللذات والمحرمات وإيذاء الآخرين، بينما أنت أعطت خفقاتك القوة لصاحبك كي يحلق في طريق الخير وطريق الجهاد.
وما أتمناه لك أرجو أن يكون مستقبلاً مشرقاً في صدر صاحبي، ولا تيأس من ظلامه الدامس عندما تسكن فيه، فقلب بمثل قوة إشراقك لن تخيفه الظلمات، بل سيمتد نوره ليكون ضياء لصاحبه في كل مكان.
امتدت الأيدي لتلتقط القلب الشاب بحنان، وتضعه في مستقره الجديد، على أمل حياة جديدة يعيشها هذا المزروع في جو من البر والأعمال الصالحة، عسى الله أن يبدل حياة هذا العجوز ويجعلها أهلاً لشرف القلب الشهيد.
ـ إسدال الستائر ـ
Blogger Comment
Facebook Comment